بعد وفاه نور كنت بائسا من الحياه
أسير فى تلك الأيام على غير هدى
فقد كانت نور هى الشخص الأقرب من
قلبى وكانت هى من تساعدنى فى إتخاذ قراراتى وتصمد معى وقت الصعاب وتقوينى بحكمتها.
فعندما أكون فى أشد لحظات حياتى
بؤسا وتشاؤما يكفينى أن أجلس مع نور بضع دقائق لتعيد إلى الحيويه والتفائل.
ولكن على الرغم من كل ما كان يجمع
بيننا حينذاك إلا إننى لم أعتبرها وقتها سوى أخت
معها تربيت ونضجت ومعها
تكونت طفولتى ومعها عشت أجمل أيام شبابى وقد كان هذا فقط حينها هو سبب حزنى
الرئيسى عليها
وبعد إنقضاء تلك الأربعين ليلة
كان يجب أن أنفتح على العالم رويدا رويدا
خاصه بعد أن أتصلت بى خطيبتى
مشتكية لهجرانى إياها طوال فترة حدادى هذه متهمانى بإنها لو كانت هى من ماتت ما
كنت سأحزن عليها هكذا.
نعم فقد كنت على الرغم من كل ما
كان بينى وبين نور فقد قمت بخطبه إمرأه أخرى الأمر الذى طالما ندمت عليه
طوال حياتى
خاصة ً وإنها كانت شديدة الغيرة
من نور على الرغم من قولى لها مرارا ً وتكرارا ً إنها مجرد أخت
و فى هذا اليوم و نتيجة لإلحاحها على فى الهاتف أتفقت معها أن أقابلها
فى المطعم الذى نتناول فيه
الغداء دائما ً بعد أن أذهب لأحياء ذكرى الأربعين لنور
وبالفعل قابلت خطيبتى بعد العزاء فى هذا المطعم وجلست معها بضع ساعات كانت
تثرثر فيهما
كثيرا ُ لكننى لم أستمع إلى كلمه واحدة من كل ما قالته فقد كنت مازلت ماثلا ً تحت وقع الصدمة
وفجأة وجدتها تصرخ فى وجهى قائلة
: ـ ""لقد مللت من شرودك الدائم وانت معى ألهذه الدرجة لا تستطيع أن تنساها
بضع دقائق..""
ووجدتها تضع دبلتها على الطاولة وتخرج تاركة لى المكان بأكمله وحينها
شعرت أن المصائب
لا تأتى دائما ً فرادى وأن العالم حولى أظلم من المقبرة التى دفنت بها نور منذ اكثر من شهر
وأخذت أسير قليلاً متأملا ً منظر النيل ثم عدت إلى منزلى بعد أن أُنهـِكت قواى وغرقت فى نوم عميق كأننى لم أنم منذ
شهور ففى الحقيقة لقد كان النوم هو ملاذى الوحيد الذى أنسى فيه كل همومى عندما أكون مثقل بالهموم…
وعندما إستيقظت فى صباح اليوم التالى كنت قد عزمت على العوده إلى حياتى
الروتينيه من
العمل ثم البيت ثم الإنغماس فى قراءه الكتب لساعات
وبالفعل عاددت حياتى تمثل شريطا
سينيمائيا لا ينتهى من الروتين المتكرر .
ومر إسبوع هكذا دون أن أذهب لأعيد
الدبله إلى خطيبتى وكنت أظن أنها إعتادت منى على الجمود .
لكننى عزمت
أن أغير فكرتها هذه فى اليوم التالى حيث قررت أن أذهب لها لأعتذر عما حدث منى بل والذى عزمت عليه أكثر
من ذلك هو نسيان نور تماما .
فليس من الطبيعى أن أعيق حياتى
بأكملها من أجل إمرأه قد ماتت .
وبالفعل أخذت أهيئ نفسى لبدء مرحله جديده فأنجزت عملى بإتقان ثم ذهبت إلى البيت وقمت بحلاقه ذقنى التى كانت قد غمرت وجهى
كخيوط العنكبوت بسبب الحزن
وإرتديت البذله الأجمل لدى ثم ذهبت إلى محل الورود لأشترى أجمل ما لديه من زهور أقدمها لخطيبتى حين لقائنا عازما على أن
أخذها لتناول الغداء فى إحدى الأماكن الأكثر رومانسيه .
وإنطلقت فى طريقى إلى بيتها عازما
على أن أقوم بإعاده الدبله إلى يديها مره أخرى .
وعندما وصلت إلى منزلها قابلنى
والدها الذى قال لى إنها ليست بالمنزل الأن حيث أنها خرجت لشراء بعض حاجاتها
.
وأخذ يطمئنى بأنها أوشكت على الوصول لكنى إنتظرتها أكثر من نصف ساعه ولم
تأتى بعد
وحينها لم أستطيع الإنتظار أكثر من ذلك فإستأذنت والدها بأن يعيد لها دبلتها حين عودتها وأن يخبرها بمجيئى
وإنطلقت خارجا من منزلها .
لكننى فجأه تسمرت فى مكانى ولم
أستطع التحرك إذ بى أجد سياره بيضاء تقف أمام منزلها ورأيت خطيبتى تنزل من تلك السياره مع
الشاب الذى كان يقودها
لقد رأيته يقبل يديها ويودعها
ويتفق معها على ميعاد أخر فى الغد .
وحينها شعرت أن الحياه قد توقفت
بى فجأه فلم أستطع التفكير لحظه ليس لأننى إكتشفت خيانه خطيبتى لى
.
بل لأن هذا الشاب الذى كان يقبل يدها هو أعز أصدقائى الذى طالما لجأت إليه دوما كلما حدثت مشكله بينى وبينها ليقوم
بعقد معاهده الصلح والسلام بيننا .
وحدثت نفسى قائلا : لماذا يحدث كل
هذا لى ؟!!!
وإنهمرت دمعه من عينى دون إرادتى عندما وجدته ينطلق بسيارته ووجدتها تتقدم بخطواتها نحوى فقد تثبتت قدماى بالأرض
وحينها كانت قد رأتنى وأنا أقف أمام باب منزلها وقد تأكدت أنى شاهدت ما حدث لكنها مازالت تتقدم بخطواتها
نحوى تندفع
فى الحديث لتبرر ما كان يحدث أمام عينى الأن
لم استطع
الإستماع أو النظر إليها . لم أستطع سوى أن أخلع دبلتى من إصبعى وأفتح إحدى يديها لأضع الدبله داخلها ثم
إنطلق فى طريقى دون أن أتفوه بكلمه واحده ودون أن أدرى إلى أين سأذهب وماذا سأفعل بعد الأن ………….؟
أخذت يومها أتخبط فى الطرقات لا أعرف أين سأذهب وجدت نفسى أسير بدون طريق وتتزاحم داخل عينى الدموع أبيه أن تسقط
لكنها تنهمر منى دون إرادتها رغما عن كرامتى وكيانى الذين حطمتهم إمرأه أحببتها من كل قلبى وصديق أخلصت
فى صداقته
وكانت الأفكار السوداء تتراكم فى رأسى الواحده تلو الأخرى لكن رغم كل هذا
الكم الهائل
من الأفكار لم تبقى فى مذكرتى حينها سوى فكره واحده فقط هى من كانت ساطعه ولحظه واحده تذكرتها وسيطرت على
كيانى إنها هى اللحظه التى سقطت فيها نور بين ذراعى والمشاعر التى شعرت بها حينها .
وإن تلك اللحظه فقط هى ما يمثل الفاجعه الحقيقيه الأكبر من خيانه حبيبتى وأعز أصدقائى خصوصا وإننى كنت قد عزمت فى
الصباح منذ ساعات قلائل على نسيان نور وذكرياتها
فهل ما حدث لى فى المساء هو عقابا
على نيتى هذه تجاه نور …………؟
من المؤكد أنه كذلك فقد كنت سأستبدل
المرأه الصادقه الحنون بالمرأه الخائنه وأنا راضى النفس عن ذلك
.
وخلال تزاحم أفكارى هذه وجدت نفسى أمام منزل نور وكأن قدمى قرأت ما بداخلى فلم
أستطع أن أمنع نفسى من الصعود
والإستمتاع بصحبه والدتها وصحبه ذكرياتى مع نور فى هذا المنزل أملا فى أن يخفف هذا عنى قليلا من أثر الصدمه
.
وأن ألتمس فيه طيف نور ليرشدنى كما كانت تفعل دائما الى الطريق الصحيح لتقوينى فى أزمتى هذه وتلهمنى بالصواب وتبدل حزنى و
وهمى إلى إبتسامه وتفائل.
وبالفعل وجدت نفسى أطرق باب منزلهم ففتحت لى والدتها وعندما رأتى أيقنت أن هناك
شيئ ما حدث لى لكنها فضلت أن
تصنع لى كوبا من الحليب الدافئ لتهدأ أعصابى
وكان صمتها ونظراتها إلى تعبر عن رغبتها الجامحه لمعرفه ما أخبئ فى سرائرى وبالفعل
لم أحتمل تلك النظرات فأنفجرت
باكيا وكانت هذه هى المره الثانيه التى افعلها وأنا فى مثل هذا السن .
فقد كانت المره الأولى فور وفاه نور
وها هى المره الثانيه تتكرر فى نفس المكان
وحينها رتبت زوجه أبى على كتفى وأخذت
تهون على قائله : إن كنت لا تستطيع الحديث الأن فلا بأس فمن الممكن أن نتحدث وقتما
تشاء
وفضلت الصمت حينها ليرد على حديثها
وبعد فتره من الصمت إنطلقت قائلا فى غضب جامح
لماذا لا أستطيع الحديث مع نور الأن
؟ لماذا لا أستطيع أن أخذ برأيها لتوجهنى كما تعودت منها دائما ؟
فبكيت والدتها بمراره ثم اخذتنى من يدى وفتحت لى باب حجره نور فكانت الحجره
كما هى منذ أخر مره رأيتها فيها
يوم ممات نور فما زالت أوراقها مبعثره على مكتبها كما هى تتطاير من نسيم النافذه المفتوحه .
فقالت والدتها حينها : لقد أبيت أن
أغير شيئا من ترتيب الحجره ولكننى إكتفيت بتنظيفها .
ثم أردفت قائله : سأتركك الأن مع نور
فى حجرتها فمن الممكن أن تشعر هنا بالهوء والراحه .
وبالفعل تركتنى وحدى فى غرفه نور لأفضفض كما أريد دون أن أشعر بالحرج منها
وعندما أصبحت فى الغرفه وحدى شعرت
أننى اشتم رائحه العطر الذى كانت تتعطر به نور وشعرت بوجودها بجانبى تساندنى فى محنتى من عالمها الأخر
فأخذت أتفقد أوراقها لعلى أجد فيهما ما يهون على ويلهمنى الصبر والسلوى وفجأه وجدت نفسى أضع يدى على كتيب صغير دون عنوان
ففتحته فإذا بى أجده كتيب ذكريات نور.
إنه مخطوط بخط يديها وبه كلماتها
فشعرت حينها برغبه جامحه فى معرفه ما يحويه هذا الكتيب .
وفجأه وجدت طرق
على باب حجرتها إنها والده نور فلم أشعر بنفسى إلا وأنا أخبئ هذا الكتيب بين ملابسى وذلك حتى لا ترى إننى
كنت أعبث بذكريات إبنتها فتشعر ببعض الحرج .
فى ذلك الوقت كانت والده نور قد أعدت
لنا العشاء لنتناوله معا .
فمنذ زمن بعيد لم نجتمع على طعام وبالفعل تناولت معها العشاء وإنطلقت عائدا
لمنزلى غارقا بين أحزانى
أناشد النوم ليأتينى وينجدنى من همومى
وفجأه وأنا أخلع ملابسى لأرتدى ملابس
النوم وجدت بينها كتيب ذكريات نور فقد نسيت أن أعيده إلى مكتبها بعدما خرجت
والدتها .
وكان القدر أراد لى أن أقرأ ما بين
سطوره ……….!!!!!!
وللحديث بقيه فإنتظرونى