وعندما قرأت كلمات نور هذه كانت هى المرة الأولى التى أعلم فيها بأن
نور تحبنى
وإلى هذه الدرجة الرائعة من الحب ..
لذلك فقد كان حبها لى بمثابة الصدمة فكيف لم أشعر بهذا الحب من قبل..؟
وكيف لم ألاحظه عليها ..؟
ولماذا لم تخبرنى ..؟
أم هذا هو الحب الصادق دائماً لا نعلم بوجوده فى حياتنا إلا بعدما يفوت
الأوان
فها أنا ذا لم أعرف أن نور كانت تحبنى كل هذا الحب إلا من خلال قرائتى
لمذكراتها بعد وفاتها …!!!
وعندها توجهت لأستكمال بقية هذا الكتيب الصغير الذى يحوى من الألم
والمشاعر الرقيقة الكثيرفوجدتها تردف قائلة : ـ
"" كنت أظن أن بعد كل هذا الأهتمام بأن معاناتى قد أقتربت من
نهايتها وإننى سأبدأ رحلة جديدة مليئة بالمرح والحب والحياة
ولكن حدث ما لم أتوقعه ….
فبعد أن بدأت حالتى فى الأستقرار وبدأ حبى فى النهوض من مرقده ليعاود
الحياة وجدت من أحببته يدخل حجرتى بالمستشفى ذات يوم ولكن ليس وحده بل هناك من
تتعلق بذراعه
إنها فتاه جميلة يافعة ..
وشعرت لمجرد رؤيته معها كمن طعننى فى مقتل
وظللت مصدومة هكذا حتى قدمها إلى على إنها خطيبته …
نعم خطيبة المستقبل قد أتى بها إلى ليعرفنى عليها بل وليأخذ رأيى أيضا
ً فى إن كانت تناسبه إم لا
وحينها أخذت أضحك وأضحك وأضحك حتى بكيت من كثرة الضحكات
لأنها ضحكات ساخرة من أحلامى التى شيعت اليوم جنازاتها فقد حددوا موعد
الخطبة إنه الخميس المقبل .. فيا له من يوم بائس ..!!!
كم أتمنى أن أموت قبل أن يأتى هذا الخميس الذى سأراها فيه معلقة بين
ذراعيه ترتدى فستان الخطبة
ترقص معه رقصات الفرح ….
وحينها ظنوا أن هناك نوبة ألم تجتاح كيانى من كثرة البكاء الذى أختلط
بالإبتسام فأستدعوا الأطباء الذين شحنونى بالمسكنات والمهدآت لأنام وأنا كلى أمل
بأن لا أستيقظ
ولكننى للأسف إستيقظت فى صباح اليوم التالى
وعندما فتحت عيونى وجدته أمامى قد جاء لزيارتى
وتنهدت أكنت أحلم أمس بأمر خطبته لإمرأةٍ أخرى أم إنها حقيقة ..
فهو الآن أمامى وحده
لكننى فوجئت للمرة الثانية أن ما حدث أمس كان حقيقة ..
فقد جاء ليسألنى اليوم عن رأيى فى عروسته الجميلة..!!
فلم أستطع سوى أن أقول :-
(( حقا ً إنها جميلة .. جميلة للدرجة التى أستولت بها على عقلك وقلبك
معا ))
قلت هذا وأنا أضحك وأبتسم لأخفى دمعاتى خشية أن تسقط دون إرادتى
فدائماً ما تحكمت بهم فى أوقات المرض والألم فكيف لا أستطيع التحكم بهم الآن فى
الغضب …
وبعد أن رحل فى هذا اليوم من المستشفى بعدما قطع لى عهدا ً بأن يأتى
ليرانى غدا ًوجدت نفسى أفكر ماذا أفعل هنا فى هذا المكان الملئ بالأمراض …؟
أمنتظرة أجلا ً يحملنى لدار أخرى .. ؟
وإذا كان الوضع هكذا فمن الأفضل لى أن أموت هناك فى بيتى وسط ذكرياتى
بحجرتى طالما الموت سيكون آخر أختياراتى
نعم فبعد رحيله الأبدى عنى ليس هناك أختيار آخر سوى الأستسلام للألم
والموت آملاً فى أن أجد فيه الراحة التى أرجوها
وحينها أخذت أضع أشيائى داخل حقائبى بعد أن قررت مغادرة هذا المكان
الكئيب نهائيا ً
فأنا لم أتحمل وجودى هناك طوال الفترة الفائتة إلا من أجله ..
لكن الآن ليس هناك داعى لذلك وبالفعل تركت المستشفى وعدت إلى منزلى
وذلك لسبب واحد ..
(( إننى طالما لم أستطيع أن أختار الحياة التى أريد أن أحياها.. فعلى
الأقل أستطيع أن أختار الموت بالطريقة التى أفضلها))
بعد قرائتى لكلمات نور هذه أنهمرت دموعى على
جبينى فى سيل لا ينقطع
فما تلك المشاعر الفياضة التى إمتلئت بها هذه الفتاة
إن هذا ليس الحب العادى ..
إنما هو حب مميت كما يقولون
هل أحبتنى إلى هذه الدرجة ..؟
فما الذى أقرأه الآن ..؟
أأنا السبب فى موتها ..؟
بل أنا من قام بقتلها ..؟
نعم لقد قتلتها آلاف المرات .. قتلتها حين دخلت عليها ومعى إمرأة ً
أخرى أعتقد أنها من أفضل النساء
قتلتها حين تركت لها حرية الأختيار فى أن تترك المستشفى
وها أنا ذا أقتل نفسى بنفس الخنجر الذى طعنتها به ..
بنفس المرأة الخائنة التى دخلت حياتنا لتدمرها نهائيا ً ثم تخرج منها
إلى الأبد
والآن فقط علمت أننى دفعت ثمن إختيارى لتلك المرأة الخائنة أكثر مما
أتوقع
و وجدت نفسى أنغمس أكثر وأكثر فى قراءة مذكراتها لأعرف بقية خباياها
حتى وإن كان ما سأعرفه سيؤلمنى أكثر وأكثر
فقرأت كلماتها بعد ذلك وهى تروى ما حدث بعد أن تركت المستشفى قائلة : ـ
"" بعد أن خرجت من المستشفى وعدت لمنزلى كنت أتوقع ثورة أمى
على
لكنها قابلت كل ذلك بصمت رهيب فلم تلومنى حتى ..
أقصد لم تتحدث معى على الإطلاق
وبعد دقائق سمعت صوته فى الخارج ..
إنــــــــــــــــــــــــه هو ..
صوته يعلو تدريجيا ً
لابد إنه علم بإننى تركت المستشفى حتماً
لم يمضى كثيرا حتى وجدته يطرق باب حجرتى ..
فأذنت له بالدخول وتظاهرت بإنشغالى فى ترتيب مقتنياتى بالحجرة
فصرخ فى وجهى : ـ
"" أنظرى إلى .. لما تتصرفين هذه التصرفات البلهاء ..لماذا
تركتى المستشفى …؟
إنكِ لستى طفلة .. إنكِ فتاه راشدة .. ما الهدف مما تفعلين
..؟""
وأنتظرت حتى أنهى كلماته ثم وجدت نفسي أتحدث بصوت يختلط به البكاء
قائلة : ـ
"" من أعطاك الحق لتتحدث إلى هكذا وتتدخل فى صميم حياتى ..؟
فأنت لا تعلم شيئاً عن حجم الألم الذى أتعرض له يوميا ً ..
ولن تتخيل يوما ً ما الذى أعانيه
هل تعرف ماذا سيحدث لي بعد فترة من تناولى هذا الدواء اللعين ..؟
هل ترى هذا الوجه؟
.. سيشوبه الشحوب ..
هل ترى ضفائرى هذه ؟
.. ستختفى كإمرأة تعدت التسعين عاما ً
إذا كنت ستستطيع أن ترانى هكذا .. فأنا لن أستطيع
أعلم إننى قد أموت بين الحين والآخر ..
ولكننى سأموت كما أنا اليوم
وعندما تتذكرنى ستتذكر ذلك الوجه الجميل ..!!
سأموت هنا فى حجرتى بين مقتنياتى وذكرياتى .. وهذا كل ما أردته
""
ووجدته يرد علي قائلا ً : ـ
"" إننى فعلا ً لا أعلم شيئا ً عن معاناتك ""
فقلت له : ـ
"" إذن طالما لا تعلم شيئا ً عن أمر ٍ ما .. فلا تتحدث عنه..
الصمت أفضل لك ""
فكانت تلك الكلمات نهاية للحديث بيننا حيث خرج من حجرتى غاضبا ً متوترا
ً مغادراً للمنزل كله
ولم آراه بعد ذلك لمدة خمسة أيام ..
كنت أشعر خلالها بالتأرجح بين الحياة والموت
ولكن اليوم الخامس ..
إنه يوم الخميس ..
يوم خطبته المعهود
فشعرت يومها بالأختناق
وسألت نفسى .. إن خطبته اليوم.. ما الذى سأفعله ؟
هل سأحضر تلك الخطبة ..؟
ولكن هل لدى إختيار آخر ..؟
فالان ما على سوى أن أعد نفسي لأذهب لحفلة الخطبة ..
وأحاول بقدر الإمكان أن أبدو فى هذا اليوم جميلة
وأخذت أجر قدماى التى عجزت يومها عن المشى
وعندما وصلت إليهم وجدت بالحفلة حشود من الجماهير التى حضرت من معارف
العروسين
فأخذت أتجول بينهم أنظر إليهم لأصرف إنتباهى عنه..
لكن عينى كانت مركزة عليه وعلى تلك الفتاة التى أختارها
وجدته يحتوى عينيها بعينيه ..
وجدت ضحكاتهم تتراقص على شفتيهم ..
فقد حان الوقت ليهدى العريس الخاتم لعروسته ..
فها هو يتقدم إليها بإبتسامة عريضة على شفتيه
يقبل يدها ويضع خاتم الخطبة فى إصبعها فيحتوى يديها بين يديه ..
يتقدمون معاً إلى المسرح لتبدأ رقصة الزفاف
فلم أستطع أن أتحمل ..
فقد تهشمت إرادتى حينها ..
وتزاحمت داخل مخيلتى هذه المشاهد
فأخذت
أسقط
وأسقط
وأسقط
فاقدة ً للحب أولا ً.. ثم فاقدة ً للوعى مغشيا ً على "
إنتظرونا وللحديث بقيه إن شاء الله تعالى