نقلونى إلى منزلى كبقايا جثة فى
هذا اليوم لا أستطيع حتى أن اتنفس
وفى اليوم التالى أتى إلى ليطمئن
على حالتى الصحية
و التى كنت قد أسترددت بعضا منهاً
وهنا أخذ هو وأمى يتحدثون إلى لأعود إلى المستشفى وأستكمل علاجى
فحاولوا الضغط على بكل قوتهم
لأمتثل لرغبتهم
لكننى تعللت بنفس الأسباب
السابقة وخوفى من الآثار الجانبية لهذا العلاج
فأخذت أتعلل لهم بالألم ولكنهم
لا يعلمون أن الألم الذى أقصده هو ألم الحب وليس ألم المرض
فإنهم لا يعلمون أن للحب آثار
جانبية قد تنهى حياة الإنسان وهذا هو ما أعانيه
وعندما خاب رجائهم فى أن أستكمل علاجى إلتزمت أمى الصمت بعدها لمدة أيام طويلة
أما هو فقد ذهب ولم يعد ..
لم آراه بعد ذلك الوقت لآيام
طويلة كان يسئل على فيهم عن طريق أمى
ظللت هكذا لمدة شهر أكتب فيه
رسائل أحتضاراتى ..
كنت خلال هذا الشهر أشعر أن
الموت قريب منى فى مكان ما
وكل يوم أشعر بقربه منى أكثر
وأكثر إنه قادم إلى قريبا ً لا محالة
فكنت كل يوم أستعد وأهيأ نفسى
لأستقباله
وعندما لا يأتى أعلم إنه من
المؤكد سيأتينى فى اليوم التالى
وطوال هذه الفترة العصبية فإن من
أحببته لم يكن بجوارى حتى ولو عطفا ً وشفقة
ففى كل يوم كنت أشعر ببعده عنى
أكثر
فأنتظرته كثيرا ً وكثيرا ً
لينقذنى من اليأس من الموت المحقق لكنه لم يأتى رغم طول الأنتظار
حتى إننى أصبحت أنتظره فقط من
أجل أن آراه ولو مرة أخيرة قبل أن أموت
وأصبح هذا هو رجائى
ولكن حتى هذا الكم الضئيل من
الأمانى لم يتحقق لى وأصبحت هكذا مجرد حطام لإنسانة
********
وبعد أن قرأت تلك الكلمات لنور
أيقنت فعلا ً بحجم ما كانت تعانيه
وشعرت بمدى قسوتى وبطشى
فقد كنت أذبحها ببطئ
ولو كنت أعلم إننى من الممكن
بكلمة واحدة ٍ منى أن أمنحها الحياة لما ترددت لحظة واحدة عن ذلك
ففتاة مثل نور قلما تجدها بحياتك
فقد أعطتنى الحب الذى طالما بحثت
عنه لأجده بالقرب منى وأنا لا أشعر به
فأنا إذن المخطئ لإننى بحثت عن
الحب وهو معى وأعطيت حبى لقلوب لا تستحقه
وحرمت أقرب الناس إلى من عطفى
وهم فى أمس الحاجة إلى
وفى هذا الوقت شعرت إننى مجرم ..
فكيف أستطعت أن أقتلها هكذا
ببرودة أعصابى
وحينها أيقنت فقط إننا من الممكن
أن نتسبب بالمعاناة لمن حولنا دون أن نشعر
بل ونقتلهم بقسوة دون أن ندرى
حجم الذى يعانونه
فكانت نور خير مثال على ذلك
وكانت خير معلم لى ..
علمتنى كيف أحب موتا ً ..
كيف أعطى بدون مقابل ..
كيف أهب حياتى لمن يستحقها هنا
فقط
فشعرت أنى أحب نور ..
نعم أحبها حبا ً لم أحبه لإمرأة
من قبل
بل وتأكدت إننى كنت أحبها منذ
قرون دون أن أدرى بمقدار عشقى لها
فكانت كل صفحة فى كتيب مذكراتها
تذكرنى بحب أُحسد عليه
وتتسبب فى إنسيال دموعى لعدم
تقديرى لهذا الحب
ونظرت إلى كتيب مذكراتها وجدته
قد قارب على الانتهاء
فلم يبقى فيه سوى صفحتين إثنتين
إنهما الصفحات التى تصف آخر أيام حياتها ..
نعم الصفحات التى تصف يوم مماتها
وهنا تذكرت مكالمتها لى فى هذا
اليوم فها أنذا سأعرف لماذا حدثتنى نور بالهاتف يوم مماتها ..؟
ففتحت آخر صفحات الكتيب وأخذت فى
قرآتها …
أستيقظت هذا الصباح ولدى إحساس
لم أعهده من قبل ..
إحساس بالراحة النفسية التى
طالما بحثت عنها وإحساس بالسعادة والرضا والرغبة فى الإبتسام
فيا لها من أشياء أفتقدتها طوال
الأيام الفائتة
فوجدت نفسى أشعر بسرور بالغ
وأذهب لأفتح نافذة حجرتى وأشتم عبير الصباح
وأرى الشمس وهى تبدأ فى البذوغ
على الرغم من الغيوم الذى يحيط بها
يبدو أن اليوم سيكون ممطراً
بغزارة أكاد أن أرى ذلك فى السماء
ولكننى على الرغم من هذا الغيوم
الذى يعاند شروق الشمس أشعر أن الجو بديعا ً جدا ً
فلم أشعر حتى ببرودة الشتاء
بل شعرت أننى فى فصل الربيع
والنسيم هو الذى يداعب وجنتى
ولما كان هذا الصباح مشرقا ً فى
حياتى خاصة ً فى تلك الظروف النفسية الصعبة التى أعانيها
علمت أن هذا اليوم سيكون مختلفاً
فى حياتى فربما إيذاناً ببدء مرحلة جديدة بحياتى ..
فياله من يوم مبشر ..!!!
و وجدت نفسي أذهب إلى المطبخ
الذى لم أدخله منذ أن دخل جسدى المرض
لأقوم بتحضير إفطاراً شهياً لأمى
التى كانت لم تزل نائمة حينئذ
فقد كانت مستيقظة طوال الليل
لذلك قمت بمداعبتها صباحاً لكى
تستيقظ وأخذت فى تقبيل وجهها و وجنتيها فأستيقظت على تلك القبلة وأبتسمت فى وجهى
وقالت لى : ـ
"" وجهكِ مشرق اليوم كالعروس يوم زفافها فشحوب المرض هجركِ أخيراً ""
فتعالت ضحكاتى وقلت لها : ـ
"" ومنذ متى وأنا أعير للمرض إهتمام ""
وأخذت أضحك مجددا ً فإبتسمت
وقالت لى : ـ
"" أخيراً رأيت ضحكتكِ تنير وجهك ""
فإبتسمت قائلة لها : ـ
"" لقد أعددت لكى طعاماً شهياً للإفطار .. ألم تشاركينى إفطار هذا
النهار الجيد ""
فنظرت أمى إلى الشفق العالى فى
السماء وقالت لى ضاحكة : ـ
""يبدو إنه سيكون يوماً جيدا ً فعلا ً .. فالسماء مبلدة بالغيوم
والمطر على وشك أن يملئ الطرقات ..يبدو إنكِ لا تعيرين للطقس إهتمام أيضا ً .. كما
إننى أراكِ ترتدين ملابس الصيف وكأنكِ لا تشعرين ببرودة الجو ""
فتعالت ضحكاتى مرة أخرى وقلت لها
: ـ
""فأنا أشعر اليوم إننى فى أوج الربيع ""
فأمسكت بيديها وذهبنا إلى طاولة
الطعام وتناولنا الأفطار معا ً متبادلين خلال ذلك أطراف الحديث والإبتسامات
وشعرت برغبة عارمة فى أن أنزل
الحديقة بعد الأفطار و بالفعل قد فعلت على الرغم من محاولات أمى لإقصائى عن النزول
فى هذا الطقس السيئ
وأخذت فى أختيار بعض الأزهار
المحببة لدى و الموجودة فى الحديقة
فمازلنا فى فصل الشتاء وقليل من
الأزهار هو الذى يزدهر فى ذلك الوقت من العام
ثم وضعت ما قمت بجمعه من الزهور
فى المزهرية بحجرتى ورويتهم بالماء وأخذت أشتم عبيرهم الذى يذكرنى بأيام الطفولة و
ذكريات الشباب مع من أحببت
فإبتسمت حينها وكأننى لا أريد أن
أعكر صفو يومى بالذكريات المؤلمة
وذهبت لمساعدة أمى لإعداد الغداء
كما قمت بترتيب المنزل حتى أجعله فى أبهى صورة
وبعد أن تناولنا الغداء جلست بين
ذراعى أمى أتحدث معها عن أسرارى التى تعرفها جيدا ً وعن مدى صفاء قلبى اليوم
فكنت أجد بين ذراعيها الدفئ
الحقيقى لبرد الشتاء
ثم وجدنا الشمس قد توارت بين
ثنايا الليل وبدأنا نسمع أصوات الرعد تهز المكان ونرى البرق يخطف الأنظار
فجلسنا أنا وهى بجانب المدفئة و
كلاً منا يتحدث عن أجمل ما لديه من ذكريات فتتعالى بيننا الضحكات حتى حان موعد
النوم فالساعة قد قاربت منتصف الليل و قد نسينا الوقت من جمال مجلسنا معاً فمنذ
فترة طويلة لم يجمعنا حديث هكذا
فدخلت أمى حجرتها لتنغمس فى سبات
عميق أما أنا فدخلت حجرتى لأختم هذا اليوم الرائع بتسجيل أحداثه فى كتيبى الصغير
فيا له من يوم مميز ..!!!
و بعد أن انهيت أحداث هذا اليوم
الجميل شعرت بضيق
وكأن هناك حصار يحيط بى ويفرض
على روحى و قلبى إختناقا لم أعهده من قبل
حينها فقط شعرت إننى لن أختتم
كتابى فقط بل سأختتم اليوم حياتى
..
نعم فأنا أشعر أن شظايا الموت
تداعبنى الآن فأنا لا أهاب الموت
ولكننى كنت أود أن أرى حبيبى
اليوم لتكتمل روعة يومى وأموت براحة بعد أن آراه لكنه لم يأتى ..
فقد أتصلت به أمى هاتفياً لتدعوه
لتناول الغداء معنا ولكنه تعلل بسوء الأحوال الجوية فدب الخوف فى وجدانى ..
هل سأموت قبل أن آراه ويرتب على
يدى بدفئ يديه .. يالها من نهاية حزينة لقصة حبى !!!
كم أتمنى أن أموت بين ذراعيه كما
أرى فى السينما ..!!!
ولكن هل سأحرم نفسى أيضاً من أن
أسمع صوته فى لحظات الوداع هذا الصوت الحانى الذى تحتوينى دائما ً نبراته
فوجدت نفسى أرفع سماعة الهاتف
وأتصل به فكيف سأموت حتى قبل أن أروى هذا القدر القليل من ظمأ الحب…؟
ووجدته إنه هو يرد على .. ينطق
إسمى .. فإنفجرت فى البكاء دون أدنى سيطرة منى
آملا ً فى أن يفهم أن بكائى ما
هو إلا رجاء ليأتينى لآراه قبل أن اموت
وبالفعل لا حظت قلقه على ..
وعندما سألنى ماذا حدث .. لم
استطع أن أخبره .. فأغلقت الخط
وأخذت أسير فى حجرتى جيئة ً
وذهابا ً والحيرة تقتلنى ..
هل سيأتى أم سينتظر حتى الصباح
لتخبره أمى ماذا حدث فى الهاتف كما يفعل دائما ً…؟
ولكنها أول مرة يسمع فيها صوتى
بعد شهر كامل من المؤكد إنه سيأتينى وسأنتظره حتى الموت
ففتحت باب شرفة حجرتى الموصدة
لأنتظره بها وأخذت قلمى وكتابى الصغير معى لأستكمل تدوين أحداثى لحظة بلحظة
ونظرت من النافذة أترقب الشوارع
الفارغة أملاً فى أن يظهر لى كفارس ينقذ حبيبته من قصرها المهجور متناسية أن زمن
الفرسان قد أنتهى
آآآه فقد أنسانى إنتظاره و ترقب
الشوارع والمارة والسيارت أن أترقب حركة المطر والسيول كما كنت أفعل دائما ً وهو
معى فى تلك الأيام الثلجية
وفجأة شعرت إننى أتجمد من البرد ..
وهو لم يأتينى بعد
فجلست فى أحد أركان الشرفة أحتضن
قدمى بيديى من شدة البرد
أنتظره وأترقب من أجله الشوارع
فأنا متأكدة إنه سيأتينى ولكننى
لم أعد أشعر بأطراف أناملى فقد تسلل إليهم البرد
لذلك فسأكف عن الكتابة الآن
و سأضع القلم جانباً
وكلى أمل أن يأتينى وأموت بين
ذراعاه
لم يتبقى إلا أخر جزء فإنتظرونى
أسعد الله اوقاتكم اخي ابو نبيل الموقر
ردحذفيمتعنا اسلوبكم الراقي سيدي في تناول هذه الاحداث الشيقه
وعرضكم المميز لادق ما يجول بداخل النفس البشريه من احساس عاصف
لا يترك لنا فرصه لالتقاط الانفاس
وكما القصه ممتعه يزيد الاشتياق لتالي الاحداث وممارسة التشويق لنا
فما لنا فكاك من القصة ومن محبتكم وتقديركم
فدمتم اخي كما انت مبدع وسامي الخصال
ودي ومحبتي
احتراماتي
المسحراتي
جميلة
ردحذفليتك تلغي هذه المسافات الطويلة بين السطور لانها تقلل من التركيز اثناء القراءة
بانتظار الجزء الأخير اكيد
الأجمل هو تواجدك أختى الكريمه
ردحذفوإن شاء الله سيتم تقليل هذه المسافات
والأجزء الاخير مطروح بالفعل اختى الفاضله هو بعنوان المكالمه الغامضه 6 - 6 الجزء الاخير
لا تحرمينا من وجودكم